جمعية الريف لحقوق الإنسان
26/01/2006
تقديـم:أ
عرفت الهجرة السرية نحو مدينة مليلية تطورا مطردا خلال السنوات الأخيرة، و بشكل منقطع النظير عما كان عليه الوضع من ذي قبل، فقد عرف إقليم الناظور سنة 2003 عمليات تمشيطية خاصة في غابات الإقليم بحثا عن المهاجرين السريين الأجانب، و قد أسفرت عن إلقاء القبض على 1881 مهاجرا سريا، و 2758 مهاجرا سريا سنة 2004، و 7749 مهاجرا سريا سنة 2005، و ذلك حسب الإحصائيات الرسمية المغربية – انظر الجدول المرفق -.أ
و هؤلاء المهاجرون لم يأتوا للمنطقة فقط من بلدان جنوب الصحراء، و لكن يتوزعون على 42 دولة إفريقية و أسيوية، من بينها الهند و باكستان و أفغانستان و الجزائر و تونس و إثيوبيا. و لكن لبلدان جنوب الصحراء حصة الأسد في تصدير الهجرة باتجاه مدينة مليلية، و على رأسها مالي و الكمرون و السنغال، نظرا لقربها من المغرب، و ذلك لأسباب موضوعية بالدرجة الأولى تفرضها الأوضاع الداخلية لهذه البلدان (سياسية - اقتصادية - اجتماعية - دينية - ...) و التي لا تعنينا مناقشها في هذا المقام.أ
و هذا التقرير، تتبع لمجموعة من التدخلات التي عرفها هذا الملف و لوضعية المهاجرين في إقليم الناظور طيلة سنة 2005، من لدن مجموعة من المتدخلين، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي عرفتها المنطقة و التي أحدثت طفرة نوعية في هذا الملف، بعد أن كانت الوضعية قبل ذلك مختلفة تماما، حيث كان المهاجرون الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء يتواجدون و بكثافة في جميع أزقة إقليم الناظور حيث كانوا يتسولون ، و ذلك من دون أن يتعرضوا لأي نوع من الاستفزاز أو الاعتقال، إلا فيما ندر.أ
لكن و ابتداءا من الأحد 25 يونيو 2005، تغيرت كل الأمور، حيث حدث في هذا التاريخ أن قامت مجموعة هائلة تتكون من حوالي 500 فرد من المهاجرين الأفارقة المنحدرين من بلدان جنوب الصحراء، بمحاولة لتجاوز الحاجز السلكي الفاصل بين مدينة مليلية و إقليم الناظور، و بعد تجاوزهم له – حسب تصريحاتهم التي استقيناها من أحد المشاركين معهم و من خلال شريط مصور وفرته لنا جمعية حقوق الطفل بمليلية -، هاجمهم رجال الحرس المدني الأسباني و أفراد من الجيش حيث انهالوا عليهم ضربا، بعد ذلك سلموهم للمغاربة بعد أن دفعوا لهم مبلغا ماليا مقابل ذلك، ثم تركوهم يذهبون للغابة في تلك الحالة قبل أن تتدخل منظمة أطباء بلا حدود التي تكفلت بإرسالهم للمستشفى الحسني بالناظور ، ثم إلى المؤسسة الخيرية الإسلامية، قبل ترحيلهم فيما بعد رغم كسورهم إلى الحدود المغربية الجزائرية من طرف السلطات المغربية.أ
و مباشرة بعد ذلك اختفى هؤلاء المهاجرون عن الأنظار و أقتصروا على التواجد في الغابات المتناثرة على طول بقعة الإقليم، و من هناك تكثفت الحملات التمشيطية ضدهم التي واكبتها خروقات فظيعة لحقوق الإنسان، سنأتي على ذكرها بشكل أكثر تفصيلا في هذا التقرير.أ
و قد تتبعنا بدورنا و عن قرب مختلف التطورات التي عرفها هذا الملف على مستوى الإقليم، حيث تواجدنا و باستمرار في أعماق الغابات سواء لمعرفة ما يجري أو لمساعدة المهاجرين ماديا و معنويا، و قد كنا دائما نقدم يد العون لمختلف الهيئات و المنابر الإعلامية الوطنية منها و الدولية لمعرفة ما يجري، حيث كنا ننقل هذه الأخيرة إلى عين المكان للقاء المباشر مع هؤلاء المهاجرين و لأخذ الصورة الحقيقية عن أوضاعهم خاصة ظروف عيشهم في الغابات، و هو العمل الذي مكننا من معرفة كثير من الأمور ساعدتنا على صياغة هذا التقرير المقتصر على وضعية المهاجرين المتواجدين بإقليم الناظور فقط ، إلى جانب بعض المعطيات التي وفرتها لنا جمعية حقوق الطفل بمليلية و التي لها الدور البارز في خدمة قضية هؤلاء المهاجرين على المستوى الدولي.أ
الوضعية المعيشية للمهاجرين في الغابات:أ
ينتشر المهاجرون القادمون من بلدان جنوب الصحراء بغابات إقليم الناظور، الموزعة على مجموعة متباعدة من المناطق، التي تعد الملاذ الآمن الوحيد- و المتاح لهم - من أيدي السلطات المغربية، حيث يعيشون فيها تحت ظروف جد صعبة، في انتظار فرصة سانحة لتجاوز الحاجز السلكي الفاصل بين مدينة مليلية و إقليم الناظور.أ
فبعد أن كانوا يتواجدون فيها بشكل مكثف قبل الحملات الأخيرة، تقلصت أعدادهم بشكل كبير جدا، حيث أن المخيمات التي كانت تضم في السابق 100 شخص أو أكثر أصبحت بعد الحملات التمشيطية الأخيرة تضم 8 أشخاص فأقل، و يرجع ذلك لثلاثة أسباب رئيسية، و هي:أ
أ- إلقاء القبض عليهم من طرف القوات المغربية خلال الحملات التمشيطية الأخيرة سواء في الغابات أو بعض الأزقة التي يتواجدون فيها بكثرة
ب- تسليم البعض منهم لأنفسهم للسلطات المغربية بعد علمهم بتكفل الدولة المغربية بنقلهم عبر الطائرة إلى بلدانهم
ت-رحيلهم إلى الجزائر لعدم قدرتهم على تحمل البرد القارس بهذه الغابات، و خاصة الإناث اللواتي تهجر أغلبهن من المنطقة
إضافة إلى ظروف الجو القاسية، هناك مشكل أساسي متمثل في قلة الموارد المائية و الغذائية، فالمهاجرون يعتمدون إما على شراء ذلك من الدكانين المعزولة قرب الغابات من الأموال التي يجمعونها من التسول، و إما من خلال المساعدات التي تقدم لهم من طرف جيرانهم من السكان في تلك الغابات، و إما من بعض الدعم المقدم من بعض الهيئات غير الحكومية الأجنبية و الذي يندر حدوثه، و في غياب ذلك يضطرون للأكل من النفايات.أ
و بسبب التهديدات المستمرة لمجموعة من رجال السلطات المحلية للساكنة التي تقدم يد العون لهؤلاء المهاجرين، أصبح المهاجرون يجدون صعوبات كبيرة للحصول حتى على الماء، مما يضطرهم للسير لمسافات طويلة جدا بحثا عنه.أ
الخروقات المرتكبة من طرف الدولة:أ
شاب تدبير السلطات المغربية لملف الهجرة عدة خروقات، و تمثل ذلك في مختلف التدخلات المسجلة ، و ذلك ابتداءا من العمليات التمشيطية مرورا بالاعتقال و انتهاءا بالترحيل، حيث أن خرق القانون كان هو السمة الغالبة في التعامل مع هذا الملف، و من المؤكد أن كثيرا من هذه الخروقات قد عبر عن اجتهادات خاصة بمن وكل إليهم تنفيذ أوامر محددة، لكنهم فضلوا تجاوز ها، و يمكننا أن نجملها فيما يلي :أ
المرحلة الأولى: أ
تقوم السلطات الأمنية المغربية من حين لآخر بمحاولات تمشيطية في الغابات التي تأوي هؤلاء المهاجرين، و ذلك من خلال مداهمة مخيماتهم، لكن هناك حملات من نوع آخر تقوم بها مجموعات صغيرة من هذه القوات، تتكون في الغالب من بضعة أفراد، حيث تقوم بالذهاب إلى هؤلاء المهاجرين في أماكن تواجدهم لأجل ابتزازهم ماديا، و ذلك بفرض إتاوات عليهم مقابل تركهم في حالهم. و في أحيان يتم هناك الاستفراد بالإناث للتحرش جنسيا بهن من قبل أفراد هذه القوات، و قد تم تسجيل حالة اغتصاب واحدة لحد الآن لمهاجرة من جنوب الصحراء من طرف هذه القوات. أ
المرحلة الثانية:أ
عندما يلقي الحرس المدني الأسباني القبض على المهاجرين السريين، بعد نجاحهم في تجاوز الحاجز السلكي، يجب عليه نقلهم إلى مخفر الشرطة للتحقيق معهم قبل نقلهم إلى مركز الاستقبال بمليلية، لكن و في كثير من الأحيان، و تجاوزا لهذه المسطرة القانونية، يقوم الحرس المدني و بمجرد إلقاء القبض عليهم، بفتح بوابة الحاجز السلكي لتسليمهم للمغاربة حتى من دون نقل أصحاب الإصابات الخطيرة للمستشفى، و ذلك بمقابل مادي يدفعه الأسبان للمغاربة يبلغ أحيانا ما بين 50 و 200 درهما بالنسبة للحالات العادية و ما بين 500 و 600 درهما بالنسبة للحالات الخطيرة – التي تعرضت لإصابات كبيرة – بل و في أحيان حتى لمجرد منحهم علبة سيجارة واحدة.أ
المرحلة الثالثة:أ
بعد تسلم المغاربة لهؤلاء المهاجرين سواء أفشلوا محاولة القفز أو تسلموهم من طرف الأسبان، يتم تفتيشهم و نهب كافة ممتلكاتهم، من ساعات و هواتف نقالة و أموال، و يتم ضربهم بالعصي عند مرافق اليد و الرجل و الرأس، و يتم تركهم أثناء الاعتقال و في أحيان كثيرة بدون ماء و لا خبز طيلة اليوم، بل و يطلب منهم في أحيان إذا لم يتم نهبهم، بشراء حصتهم من الخبز و الماء.أ
هذا إذا ما تم تطبيق إجراء إلقاء القبض عليهم، لكن في أغلب الأحيان، يقوم المغاربة بنزع أحذية المهاجرين و دفعهم للركض في الغابة حفاة، و نفس الشيء بالنسبة للأسبان، حيث قبل تسليمهم في أحيان كثيرة للمغاربة يتم أخذ أحذيتهم أو نزع جزء من ملابسهم، كالسراويل مثلا، ثم تركهم يذهبون.أ
المرحلة الرابعة:أ
بعد إلقاء القبض عليهم، يتم نقلهم للتحقيق معهم في كوميسارية الناظور، و من ثم يتم نقلهم من هناك في حافلات لغاية الحدود مع الجزائر في وجدة، حيث يهملون هناك، رجالا و نساءا و حوامل و جرحى و مرضى و قاصرين.أ
عدد الوفيات في صفوف المهاجرين:أ
تعرف عملية تحديد عدد الوفيات في صفوف المهاجرين صعوبات جمة، فالوفيات لا تقتصر على قتلى السلطتين المغربية و الأسبانية، و لكن الأمر يتعداها لوفيات بسبب الأمراض و غيرها من المسببات المجهولة، ففي بعض المرات حين تقع وفيات في الغابات بسبب المرض أو أي سبب آخر، يضطر معه المهاجرون إلى دفن رفاقهم في الغابة في صمت و من دون الحديث عن الموضوع سواء مع رفاقهم الآخرين أو مع الصحافة أو الهيئات الأجنبية غير الحكومية التي تزورهم. أ
هذا وقد صرح لنا الموظف المسؤول عن تسجيل الوفيات بمستشفى الحسني بالناظور، أن الجثة الوحيدة المسجلة لديه و هي في نفس الآن الوحيدة التي دخلت خلال هذه السنة إلى المستشفى ترجع للكمروني المقتول " أكابانغ جوزيف أبوناو".أ
و من ثم فإن تحديد عدد الوفيات المتوفر لحد الآن هو ذاك المرتبط بقمع السلطتين الأسبانية و المغربية لهؤلاء المهاجرين، و التي تبلغ حسب تحرياتنا 17 قتيل على الأقل بمنطقتي مليلية و الناظور، و هي كالتالي: أ
الاثنين 29 غشت:أ
بعد نجاح مجموعة من المهاجرين الأفارقة مكونة من حوالي 300 فرد في تجاوز الحاجز السلكي الفاصل بين مليلية و الناظور، حاصر الحرس المدني الأسباني هذه المجموعة و انهال على أفرادها بالضرب، و هناك تعرض كمروني اسمه " أكابانغ جوزيف أبوناو" – مزداد بتاريخ 04/06/1974 بكوبا بالكمرون- للضرب من طرف أحد رجال الحرس المدني الأسباني بواسطة عقب البندقية فيما بين العنق و الرأس، ثم و بنفس العنف على مستوى الكبد، مما تسبب له في نزيف دموي داخلي بالكبد، كما تعرض آخر من الكونغو لضرب مبرح أدى لتعرضه لإصابات خطيرة.أ
بعد تسليمهم لجهات أمنية مغربية على الحدود، قامت هذه الأخيرة باعتقال مجموعة و أخذت الكونغولي المذكور إلى مستشفى الحسني بالناظور حيث توفي هناك، بينما تركت المجموعة الأخرى تذهب للغابة و معها الكمروني المذكور حيث توفي هناك، ثم تم نقله بعد تدخل مجموعة من الهيئات الأسبانية غير الحكومية لتنقل جثته إلى مستشفى الحسني.أ
بعد توصلنا بالخبر في حينه، انتقلنا بغتة إلى المستشفى، و بالضبط إلى قسم جراحة العظام، حيث رأينا مهاجران أفريقيان مكسورين من اليد، فسألنا عنهما الممرض المكلف برعايتهما، فأخبرنا بالحرف أنهما " من ضمن مجموعة مكونة من أربعة مهاجرين دخلوا المستشفى يوم الثلاثاء 29 غشت، اثنين منهما قتلهما الحرس المدني الأسباني في مليلية و هذين الشخصين قاموا بضربهما ثم ألقوا بالجميع إلى السلطات المغربية ".أ
أحد هذين اللذين وجدنا بالمستشفى يدعى كوني عيسى من بوركينافاصو عمره 21 سنة رقم دخوله للمستشفى هو 10945، و هو مصاب بكسر في يده اليسرى، و الآخر يدعى تراوري يوسف من غانا يبلغ من العمر 22 سنة رقم دخوله 10944 و قد أجريت له عملية ناجحة على يده اليمنى المكسورة ، أما الاثنين المقتولين فقد صرح لنا الممرض الملكف برعايتهما أن جثثهما موجودة في مستودع الأموات بالمستشفى، و قد أكد لنا حارس مستودع الأموات نفس الشيء، قبل أن تنقلب تصريحاتهما بعد ذلك اليوم. هذا التحقيق تم بحضرة ممثل وكالة الأنباء الفرنسية عبد الفتاح الفكهاني.أ
لكن السلطات المغربية ما تزال لا تعترف بوفاة الكونغولي، بينما تكفلت جمعية حقوق الطفل بمليلية و جمعية الريف لحقوق الإنسان و الجمعية الإسلامية بمليلية و جمعية الصداقة و التعاون مع بلدان شمال إفريقيا بإرسال جثة الكمروني إلى عائلته، بتنسيق كبير و محكم بينها و بين محكمة الاستئناف بالناظور التي لعبت دورا طلائعيا يشاد به، حيث قام السيد الوكيل العام أحمد الراشدي و فريق عمله بحل كافة المشاكل المرتبطة بالموضوع، على عكس باقي مصالح الدولة التي لم تبدي أية مساهمة تذكر غير الإغراق في الإجراءات الروتينية و اللامبالاة، إلى جانب الدور الفعال لمحامي عائلة الضحية الأستاذ محمد زيان الذي دعم هذه العملية ماديا و معنويا.أ
الاثنين 12 سبتمبر:أ
وفاة مهاجر أفريقي بمستشفى مليلية، بعد أن دخل إليها مصابا بإصابات خطيرة يوم الخميس 8 سبتمبر الماضي، بعد محاولة 200 مهاجر أفريقي تجاوز الحاجز السلكي .
الخميس 15 سبتمبر:أ
أصيب مهاجر أفريقي برصاصة بلاستيكية أطلقها عليه أحد رجال الحرس المدني الأسباني أصابته على مستوى العنق، أودت بحياته. و آخر من مالي حاول الفرار من السلطات المغربية لكنه وقع أرضا حيث تعرض لإصابات خطيرة أودت بحياته.
الأربعاء 5 أكتوبر :أ
على الساعة التاسعة و النصف ليلا ( توقيت غرينيتش ) وجود جثة مهاجر ملفوفة في غطاء بمخيم السلطات المغربية بـ"راشترو غوردو"، و الآخر ملقى بنفس الموقع مختنق لا يكاد يتنفس.
الخميس 6 أكتوبر :أ
على الساعة الخامسة أو السادسة ( توقيت غرينيتش ) مقتل ستة مهاجرين بالرصاص الحي قرب سياج "باريو تشينو" من طرف السلطات المغربية، حيث شاركت في الهجوم حتى السلطات الأسبانية التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع، إضافة إلى تخريب ممتلكات الغير من سيارات و جدران المنازل التي اخترقها الرصاص الحي المغربي.
شهر أكتوبر أو سبتمبر:أ
ألقى رجال من قوات أمنية إسبانية بأربعة مهاجرين إفريقيين في البحر من على قارب، حيث توفي شخص من مالي و آخران من نيجيريا، بينما نجى أحدهم و هو من جنسية نيجيرية، و قد حكى لرفاقه في الغابة تفاصيل هذا الحادث.
شهر نونبر أو أكتوبر:أ
تم نقل جثة لمهاجر أفريقي من مستشفى الحسني بالناظور نحو مقبرة تاويمة في سيارة إسعاف.
دور مستشفى الحسني بالناظور خلال الأحداث:أ
قبل تطور الأحداث بالإقليم ، لم يكن هناك أي مشكل في انتقال الصحفيين للمستشفى الحسني بالناظور لتفقد أحوال المهاجرين الأفارقة خصوصا بالنسبة للأجانب و على رأسهم منظمة أطباء بلا حدود، التي كانت تقدم الدعم للمستشفى خاصة من خلال توفير وسائل علاجية للجرحى. أ
لكن و بعد مقتل الكمروني " أكابانغ جوزيف أبوناو " يوم الاثنين 29 غشت، تغيرت الأوضاع بشكل جذري، و ذلك بسبب تقرير ميداني تم نشره بمجموعة من المنابر الإعلامية الوطنية يتحدث عن وجود جثتين بمستودع الأموات إلى جانب تحقيق ميداني قامت به الوكالة الفرنسية للأنباء، حيث أصدرت عمالة إقليم الناظور مباشرة بعد ذلك أوامر لمستشفى الحسني بعدم السماح بالدخول للمستشفى على الصحفيين خاصة الأجانب منهم و كذا كافة الهيئات الحقوقية، و لم تسلم من المنع حتى منظمة أطباء بلا حدود، و طلب من المستشفى رفض حتى المساعدات التي تقدمها لهم هذه المنظمة الطبية.أ
و لم يتم تسجيل وفيات المهاجرين الأفارقة بسجل المستشفى، ما عدا جثة الكمروني "أكابانغ جوزيف أبوناو".أ
المهاجرون و الإجرام:أ
شهد إقليم الناظور بعد تكثيف الحملات التمشيطة خلال الأشهر الأخيرة ، مجموعة كبيرة الإشاعات راجت على نطاق واسع، مفادها حدوث عدة جرائم بمناطق مختلفة من الإقليم، يقوم بها هؤلاء المهاجرون الأفارقة في حق الساكنة، و بخاصة المتواجدين منهم في الهوامش القريبة من الغابات التي يختبؤن فيها. أ
و من ذلك، إشاعة راجت و بقوة، تتحدث عن اغتصاب امرأة خرساء على أيدي أحد هؤلاء المهاجرين، لكن من دون أن يتم إلقاء القبض عليه، إضافة إلى ذلك تم الحديث عن جريمة قتل بشعة ارتكبها أحدهم أيضا في حق أحد أبناء المنطقة، فتحت بطنه بسكين، حيث كان حينها صحبة رفيق له أفلت من تلك الجريمة، و ذهب لإبلاغ مركز الشرطة بما حصل، و حوادث أخرى كثيرة تتحدث عن مداهمتهم المنازل و سرقة الدواجن و ما شابه ذلك.أ
و الحقيقة أن هذه الروايات كلها من المفتريات، المراد من أغلبها خلق رأي عام وطني يعطي الشرعية لمختلف تدخلات الدولة في هذا الباب، و هو ما سيتم عبر زرع روح الحقد و الكره في نفوس المواطنين عامة و ساكنة الإقليم خاصة تجاه هؤلاء المهاجرين، على اعتبار أنهم يهددون سلامتهم و استقرارهم.أ
و قد لاحظنا، من خلال استطلاعنا لرأي الساكنة المجاورة للغابات حيث يقيم هؤلاء المهاجرون، و ذلك قبل الحملات الأخيرة، حول رأيهم في تصرفات هؤلاء المهاجرين معهم، فأجابونا بالإجماع على أنهم طيبون جدا، و بأنهم لم يعتدوا عليهم قط، و لكن و مباشرة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، تغيرت هذه التصريحات بدرجة كبيرة، حيث لاحظنا أن مجموعة من الذين سلف و أن سألناهم غيروا إجابتهم حيث صرحوا لنا بأن هؤلاء المهاجرون يعتدون على المواطنين و يسرقون و يغتصبون النساء، و أن ذلك يصلهم عن طريق السماع و لم يشاهدوه، و هي نفس الملاحظة التي سجلتها جمعية حقوق الطفل بمليلية.أ
موقف الهيئات المدنية و السياسية المحلية من الملف:أ
ما تم تسجيله خلال الأشهر الأخيرة، و التي عرفت تطورا كبيرا لهذا الملف على مستوى إقليم الناظور، هو الغياب التام لأي تدخل مهما كان نوعه من طرف الهيئات السياسية و النقابية و الجمعوية، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الإقليمي أو الجهوي أو المحلي، بالإقليم، حيث يمكننا القول أن موضوع المهاجرين السريين من بلدان جنوب الصحراء لم يكن أبدا مبرمجا في أجندة عمل أي منها، اللهم شبكة جمعيات شمال المغرب للتنمية و التضامن، التي بعثت بمناضلين اثنين رفقة جمعية الأندلس لحقوق الإنسان، هذه الأخيرة قدمت للمهاجرين إعانة مادية من خلالنا، إلى جانب تسجيلهم لبعض الخروقات التي تمارسها السلطات في حقهم، و إن لم يتمكنوا من لقاءهم لظروف موضوعية حالت دون ذلك.أ
التغطية الإعلامية المغربية للأحداث بالمنطقة:أ
تغيبت المنابر الإعلامية المغربية عن التغطية الميدانية للأحداث التي عرفتها المنطقة، ما عدا الأحداث المغربية و لوجورنال إبدومادير ، هذه الأخيرة بعد انتهائها من تغطية أحداث سبتة قامت بالانتقال مباشرة إلى الناظور ثم إلى مليلية لتغطية ما يجري هناك، أما عن القناتين الأولى و الثانية فقد كانتا مرافقتان للسلطات المغربية، و لا تقومان بتصوير غير ما تحدده لهما هذه الأخيرة، و ما نقلتهما من تصريحات عن بعض المهاجرين السريين في جله لا يعبر عن حقيقة ما يتبناه رفاقهم.
هذا في الوقت الذي جاءت فيه جل المنابر الدولية، من مختلف أطراف العالم، لتغطية الأحداث و تقديم مساعدات مختلفة للمهاجرين في أعماق غابات الناظور، رغم المشاق و المخاطر التي يمكن أن تعرفها هذه المحاولات، خصوصا و أن جلها لم يكن يتوفر على رخصة من المركز السينمائي أو وزير الداخلية التي فرضت حتى على الصحفيين الأجانب القاطنين و العاملين بالرباط، بحجة أن الموضوع مرتبط بالحدود و بموضوع أصبح " يستغل سياسيا ضد الوطن من طرف الأعداء" كما دأب يصرح بذلك رجال السلطة بالمنطقة , خاصة باشا المدينة.أ
تبعات التدبير المغربي لملف الهجرة:أ
جلب تدبير السلطات المغربية لهذا الملف تبعات غير منتظرة، حيث انتقل الموضوع من مجرد الحديث عن مهاجرين سريين يحاولون أو يجتازون السياج الحدودي الفاصل بين مدينتي مليلية و الناظور، إلى الحديث عن حقيقة السيادة المغربية على تراب مدينة مليلية، بشكل أحرج و مازال يحرج السلطات المغربية ليس أمام الرأي العام الوطني فقط و لكن أمام الرأي العام الأسباني كذلك، خاصة و أن كافة الإجراءات التي تبنتها السلطات المغربية بقرب الحدود أعطت انطباعا و منذ الوهلة الأولى على أن الأمر يتعلق بحماية لمدينة مليلية على اعتبارها بقعة أسبانية.أ
فمع ما عرفته منطقة الناظور-مليلية من أحداث ، حاولت السلطات الإسبانية، ، بناء سياج ثالث بتراب جماعة بني أنصار، و ذلك تطبيقا للبرنامج الحكومي الذي يروم حماية المدينة من المحاولات المتكررة من طرف هؤلاء المهاجرين لاجتياز السياجان اللذان يحيطان بالمدينة، لكن تم منعهم من طرف السلطات الإقليمية المغربية من القيام بذلك بعد خروج مجموعة من العمال و التقنيين لأخذ القياسات من منطقة مولاريس التابعة لجماعة بني أنصار.أ
هذا الأمر دفع بحاكم مدينة مليلية السيد خوان خوسي إمبرودا لأن يعرض يوم الأربعاء 30 نونبر 2005، على أنظار وزير الخارجية السيد ميغيل أنخيل موراتينوس المشاكل التي أعترضت العمال و منعتهم من مباشرة عملهم في بناء السياج الثالث " في منطقة لا يشوب شك على أنها محتلة من طرف القوات المغربية " كما صرح السيد خوان خوسي إمبرودا، كما جاء في مختلف الجرائد المحلية بمليلية يوم الجمعة الماضي. و طالب الحكومة المركزية بعدم دعم المغرب لأنه لا يساعد أسبانيا لأجل حماية المدينة، و لأنه يرغب في ضم مليلية. أ
و في كل هذا ما يزال الموقف المغربي غير معبر عنه، حتى أن الصحافة الوطنية لم تتعرض للموضوع في حينه، و لا حتى الأحزاب و هيئات المجتمع المدني لم تعبر عن موقفها من هذه الخطوة.أ
و قد سبق ذلك أن قامت السلطات المغربية بمحاولة لحفر خندق محيط بالسياج السلكي لحماية المدينة من محاولات المهاجرين تسلقه، بلغ عمقه ثلاثة أمتار و عرضه مترا و نصف، و ذلك بعد أن تم قطع عدد كبير من أشجار الغابة حيث يتواجد السياج، لكن و بعد تعالي أصوات هيئات مغربية و أجنبية متسائلة حول حقيقة مغربية مدينة مليلية، تم توقيف الأشغال التي كان جزء منها قد تم إنجازه.أ
عرفت الهجرة السرية نحو مدينة مليلية تطورا مطردا خلال السنوات الأخيرة، و بشكل منقطع النظير عما كان عليه الوضع من ذي قبل، فقد عرف إقليم الناظور سنة 2003 عمليات تمشيطية خاصة في غابات الإقليم بحثا عن المهاجرين السريين الأجانب، و قد أسفرت عن إلقاء القبض على 1881 مهاجرا سريا، و 2758 مهاجرا سريا سنة 2004، و 7749 مهاجرا سريا سنة 2005، و ذلك حسب الإحصائيات الرسمية المغربية – انظر الجدول المرفق -.أ
و هؤلاء المهاجرون لم يأتوا للمنطقة فقط من بلدان جنوب الصحراء، و لكن يتوزعون على 42 دولة إفريقية و أسيوية، من بينها الهند و باكستان و أفغانستان و الجزائر و تونس و إثيوبيا. و لكن لبلدان جنوب الصحراء حصة الأسد في تصدير الهجرة باتجاه مدينة مليلية، و على رأسها مالي و الكمرون و السنغال، نظرا لقربها من المغرب، و ذلك لأسباب موضوعية بالدرجة الأولى تفرضها الأوضاع الداخلية لهذه البلدان (سياسية - اقتصادية - اجتماعية - دينية - ...) و التي لا تعنينا مناقشها في هذا المقام.أ
و هذا التقرير، تتبع لمجموعة من التدخلات التي عرفها هذا الملف و لوضعية المهاجرين في إقليم الناظور طيلة سنة 2005، من لدن مجموعة من المتدخلين، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي عرفتها المنطقة و التي أحدثت طفرة نوعية في هذا الملف، بعد أن كانت الوضعية قبل ذلك مختلفة تماما، حيث كان المهاجرون الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء يتواجدون و بكثافة في جميع أزقة إقليم الناظور حيث كانوا يتسولون ، و ذلك من دون أن يتعرضوا لأي نوع من الاستفزاز أو الاعتقال، إلا فيما ندر.أ
لكن و ابتداءا من الأحد 25 يونيو 2005، تغيرت كل الأمور، حيث حدث في هذا التاريخ أن قامت مجموعة هائلة تتكون من حوالي 500 فرد من المهاجرين الأفارقة المنحدرين من بلدان جنوب الصحراء، بمحاولة لتجاوز الحاجز السلكي الفاصل بين مدينة مليلية و إقليم الناظور، و بعد تجاوزهم له – حسب تصريحاتهم التي استقيناها من أحد المشاركين معهم و من خلال شريط مصور وفرته لنا جمعية حقوق الطفل بمليلية -، هاجمهم رجال الحرس المدني الأسباني و أفراد من الجيش حيث انهالوا عليهم ضربا، بعد ذلك سلموهم للمغاربة بعد أن دفعوا لهم مبلغا ماليا مقابل ذلك، ثم تركوهم يذهبون للغابة في تلك الحالة قبل أن تتدخل منظمة أطباء بلا حدود التي تكفلت بإرسالهم للمستشفى الحسني بالناظور ، ثم إلى المؤسسة الخيرية الإسلامية، قبل ترحيلهم فيما بعد رغم كسورهم إلى الحدود المغربية الجزائرية من طرف السلطات المغربية.أ
و مباشرة بعد ذلك اختفى هؤلاء المهاجرون عن الأنظار و أقتصروا على التواجد في الغابات المتناثرة على طول بقعة الإقليم، و من هناك تكثفت الحملات التمشيطية ضدهم التي واكبتها خروقات فظيعة لحقوق الإنسان، سنأتي على ذكرها بشكل أكثر تفصيلا في هذا التقرير.أ
و قد تتبعنا بدورنا و عن قرب مختلف التطورات التي عرفها هذا الملف على مستوى الإقليم، حيث تواجدنا و باستمرار في أعماق الغابات سواء لمعرفة ما يجري أو لمساعدة المهاجرين ماديا و معنويا، و قد كنا دائما نقدم يد العون لمختلف الهيئات و المنابر الإعلامية الوطنية منها و الدولية لمعرفة ما يجري، حيث كنا ننقل هذه الأخيرة إلى عين المكان للقاء المباشر مع هؤلاء المهاجرين و لأخذ الصورة الحقيقية عن أوضاعهم خاصة ظروف عيشهم في الغابات، و هو العمل الذي مكننا من معرفة كثير من الأمور ساعدتنا على صياغة هذا التقرير المقتصر على وضعية المهاجرين المتواجدين بإقليم الناظور فقط ، إلى جانب بعض المعطيات التي وفرتها لنا جمعية حقوق الطفل بمليلية و التي لها الدور البارز في خدمة قضية هؤلاء المهاجرين على المستوى الدولي.أ
الوضعية المعيشية للمهاجرين في الغابات:أ
ينتشر المهاجرون القادمون من بلدان جنوب الصحراء بغابات إقليم الناظور، الموزعة على مجموعة متباعدة من المناطق، التي تعد الملاذ الآمن الوحيد- و المتاح لهم - من أيدي السلطات المغربية، حيث يعيشون فيها تحت ظروف جد صعبة، في انتظار فرصة سانحة لتجاوز الحاجز السلكي الفاصل بين مدينة مليلية و إقليم الناظور.أ
فبعد أن كانوا يتواجدون فيها بشكل مكثف قبل الحملات الأخيرة، تقلصت أعدادهم بشكل كبير جدا، حيث أن المخيمات التي كانت تضم في السابق 100 شخص أو أكثر أصبحت بعد الحملات التمشيطية الأخيرة تضم 8 أشخاص فأقل، و يرجع ذلك لثلاثة أسباب رئيسية، و هي:أ
أ- إلقاء القبض عليهم من طرف القوات المغربية خلال الحملات التمشيطية الأخيرة سواء في الغابات أو بعض الأزقة التي يتواجدون فيها بكثرة
ب- تسليم البعض منهم لأنفسهم للسلطات المغربية بعد علمهم بتكفل الدولة المغربية بنقلهم عبر الطائرة إلى بلدانهم
ت-رحيلهم إلى الجزائر لعدم قدرتهم على تحمل البرد القارس بهذه الغابات، و خاصة الإناث اللواتي تهجر أغلبهن من المنطقة
إضافة إلى ظروف الجو القاسية، هناك مشكل أساسي متمثل في قلة الموارد المائية و الغذائية، فالمهاجرون يعتمدون إما على شراء ذلك من الدكانين المعزولة قرب الغابات من الأموال التي يجمعونها من التسول، و إما من خلال المساعدات التي تقدم لهم من طرف جيرانهم من السكان في تلك الغابات، و إما من بعض الدعم المقدم من بعض الهيئات غير الحكومية الأجنبية و الذي يندر حدوثه، و في غياب ذلك يضطرون للأكل من النفايات.أ
و بسبب التهديدات المستمرة لمجموعة من رجال السلطات المحلية للساكنة التي تقدم يد العون لهؤلاء المهاجرين، أصبح المهاجرون يجدون صعوبات كبيرة للحصول حتى على الماء، مما يضطرهم للسير لمسافات طويلة جدا بحثا عنه.أ
الخروقات المرتكبة من طرف الدولة:أ
شاب تدبير السلطات المغربية لملف الهجرة عدة خروقات، و تمثل ذلك في مختلف التدخلات المسجلة ، و ذلك ابتداءا من العمليات التمشيطية مرورا بالاعتقال و انتهاءا بالترحيل، حيث أن خرق القانون كان هو السمة الغالبة في التعامل مع هذا الملف، و من المؤكد أن كثيرا من هذه الخروقات قد عبر عن اجتهادات خاصة بمن وكل إليهم تنفيذ أوامر محددة، لكنهم فضلوا تجاوز ها، و يمكننا أن نجملها فيما يلي :أ
المرحلة الأولى: أ
تقوم السلطات الأمنية المغربية من حين لآخر بمحاولات تمشيطية في الغابات التي تأوي هؤلاء المهاجرين، و ذلك من خلال مداهمة مخيماتهم، لكن هناك حملات من نوع آخر تقوم بها مجموعات صغيرة من هذه القوات، تتكون في الغالب من بضعة أفراد، حيث تقوم بالذهاب إلى هؤلاء المهاجرين في أماكن تواجدهم لأجل ابتزازهم ماديا، و ذلك بفرض إتاوات عليهم مقابل تركهم في حالهم. و في أحيان يتم هناك الاستفراد بالإناث للتحرش جنسيا بهن من قبل أفراد هذه القوات، و قد تم تسجيل حالة اغتصاب واحدة لحد الآن لمهاجرة من جنوب الصحراء من طرف هذه القوات. أ
المرحلة الثانية:أ
عندما يلقي الحرس المدني الأسباني القبض على المهاجرين السريين، بعد نجاحهم في تجاوز الحاجز السلكي، يجب عليه نقلهم إلى مخفر الشرطة للتحقيق معهم قبل نقلهم إلى مركز الاستقبال بمليلية، لكن و في كثير من الأحيان، و تجاوزا لهذه المسطرة القانونية، يقوم الحرس المدني و بمجرد إلقاء القبض عليهم، بفتح بوابة الحاجز السلكي لتسليمهم للمغاربة حتى من دون نقل أصحاب الإصابات الخطيرة للمستشفى، و ذلك بمقابل مادي يدفعه الأسبان للمغاربة يبلغ أحيانا ما بين 50 و 200 درهما بالنسبة للحالات العادية و ما بين 500 و 600 درهما بالنسبة للحالات الخطيرة – التي تعرضت لإصابات كبيرة – بل و في أحيان حتى لمجرد منحهم علبة سيجارة واحدة.أ
المرحلة الثالثة:أ
بعد تسلم المغاربة لهؤلاء المهاجرين سواء أفشلوا محاولة القفز أو تسلموهم من طرف الأسبان، يتم تفتيشهم و نهب كافة ممتلكاتهم، من ساعات و هواتف نقالة و أموال، و يتم ضربهم بالعصي عند مرافق اليد و الرجل و الرأس، و يتم تركهم أثناء الاعتقال و في أحيان كثيرة بدون ماء و لا خبز طيلة اليوم، بل و يطلب منهم في أحيان إذا لم يتم نهبهم، بشراء حصتهم من الخبز و الماء.أ
هذا إذا ما تم تطبيق إجراء إلقاء القبض عليهم، لكن في أغلب الأحيان، يقوم المغاربة بنزع أحذية المهاجرين و دفعهم للركض في الغابة حفاة، و نفس الشيء بالنسبة للأسبان، حيث قبل تسليمهم في أحيان كثيرة للمغاربة يتم أخذ أحذيتهم أو نزع جزء من ملابسهم، كالسراويل مثلا، ثم تركهم يذهبون.أ
المرحلة الرابعة:أ
بعد إلقاء القبض عليهم، يتم نقلهم للتحقيق معهم في كوميسارية الناظور، و من ثم يتم نقلهم من هناك في حافلات لغاية الحدود مع الجزائر في وجدة، حيث يهملون هناك، رجالا و نساءا و حوامل و جرحى و مرضى و قاصرين.أ
عدد الوفيات في صفوف المهاجرين:أ
تعرف عملية تحديد عدد الوفيات في صفوف المهاجرين صعوبات جمة، فالوفيات لا تقتصر على قتلى السلطتين المغربية و الأسبانية، و لكن الأمر يتعداها لوفيات بسبب الأمراض و غيرها من المسببات المجهولة، ففي بعض المرات حين تقع وفيات في الغابات بسبب المرض أو أي سبب آخر، يضطر معه المهاجرون إلى دفن رفاقهم في الغابة في صمت و من دون الحديث عن الموضوع سواء مع رفاقهم الآخرين أو مع الصحافة أو الهيئات الأجنبية غير الحكومية التي تزورهم. أ
هذا وقد صرح لنا الموظف المسؤول عن تسجيل الوفيات بمستشفى الحسني بالناظور، أن الجثة الوحيدة المسجلة لديه و هي في نفس الآن الوحيدة التي دخلت خلال هذه السنة إلى المستشفى ترجع للكمروني المقتول " أكابانغ جوزيف أبوناو".أ
و من ثم فإن تحديد عدد الوفيات المتوفر لحد الآن هو ذاك المرتبط بقمع السلطتين الأسبانية و المغربية لهؤلاء المهاجرين، و التي تبلغ حسب تحرياتنا 17 قتيل على الأقل بمنطقتي مليلية و الناظور، و هي كالتالي: أ
الاثنين 29 غشت:أ
بعد نجاح مجموعة من المهاجرين الأفارقة مكونة من حوالي 300 فرد في تجاوز الحاجز السلكي الفاصل بين مليلية و الناظور، حاصر الحرس المدني الأسباني هذه المجموعة و انهال على أفرادها بالضرب، و هناك تعرض كمروني اسمه " أكابانغ جوزيف أبوناو" – مزداد بتاريخ 04/06/1974 بكوبا بالكمرون- للضرب من طرف أحد رجال الحرس المدني الأسباني بواسطة عقب البندقية فيما بين العنق و الرأس، ثم و بنفس العنف على مستوى الكبد، مما تسبب له في نزيف دموي داخلي بالكبد، كما تعرض آخر من الكونغو لضرب مبرح أدى لتعرضه لإصابات خطيرة.أ
بعد تسليمهم لجهات أمنية مغربية على الحدود، قامت هذه الأخيرة باعتقال مجموعة و أخذت الكونغولي المذكور إلى مستشفى الحسني بالناظور حيث توفي هناك، بينما تركت المجموعة الأخرى تذهب للغابة و معها الكمروني المذكور حيث توفي هناك، ثم تم نقله بعد تدخل مجموعة من الهيئات الأسبانية غير الحكومية لتنقل جثته إلى مستشفى الحسني.أ
بعد توصلنا بالخبر في حينه، انتقلنا بغتة إلى المستشفى، و بالضبط إلى قسم جراحة العظام، حيث رأينا مهاجران أفريقيان مكسورين من اليد، فسألنا عنهما الممرض المكلف برعايتهما، فأخبرنا بالحرف أنهما " من ضمن مجموعة مكونة من أربعة مهاجرين دخلوا المستشفى يوم الثلاثاء 29 غشت، اثنين منهما قتلهما الحرس المدني الأسباني في مليلية و هذين الشخصين قاموا بضربهما ثم ألقوا بالجميع إلى السلطات المغربية ".أ
أحد هذين اللذين وجدنا بالمستشفى يدعى كوني عيسى من بوركينافاصو عمره 21 سنة رقم دخوله للمستشفى هو 10945، و هو مصاب بكسر في يده اليسرى، و الآخر يدعى تراوري يوسف من غانا يبلغ من العمر 22 سنة رقم دخوله 10944 و قد أجريت له عملية ناجحة على يده اليمنى المكسورة ، أما الاثنين المقتولين فقد صرح لنا الممرض الملكف برعايتهما أن جثثهما موجودة في مستودع الأموات بالمستشفى، و قد أكد لنا حارس مستودع الأموات نفس الشيء، قبل أن تنقلب تصريحاتهما بعد ذلك اليوم. هذا التحقيق تم بحضرة ممثل وكالة الأنباء الفرنسية عبد الفتاح الفكهاني.أ
لكن السلطات المغربية ما تزال لا تعترف بوفاة الكونغولي، بينما تكفلت جمعية حقوق الطفل بمليلية و جمعية الريف لحقوق الإنسان و الجمعية الإسلامية بمليلية و جمعية الصداقة و التعاون مع بلدان شمال إفريقيا بإرسال جثة الكمروني إلى عائلته، بتنسيق كبير و محكم بينها و بين محكمة الاستئناف بالناظور التي لعبت دورا طلائعيا يشاد به، حيث قام السيد الوكيل العام أحمد الراشدي و فريق عمله بحل كافة المشاكل المرتبطة بالموضوع، على عكس باقي مصالح الدولة التي لم تبدي أية مساهمة تذكر غير الإغراق في الإجراءات الروتينية و اللامبالاة، إلى جانب الدور الفعال لمحامي عائلة الضحية الأستاذ محمد زيان الذي دعم هذه العملية ماديا و معنويا.أ
الاثنين 12 سبتمبر:أ
وفاة مهاجر أفريقي بمستشفى مليلية، بعد أن دخل إليها مصابا بإصابات خطيرة يوم الخميس 8 سبتمبر الماضي، بعد محاولة 200 مهاجر أفريقي تجاوز الحاجز السلكي .
الخميس 15 سبتمبر:أ
أصيب مهاجر أفريقي برصاصة بلاستيكية أطلقها عليه أحد رجال الحرس المدني الأسباني أصابته على مستوى العنق، أودت بحياته. و آخر من مالي حاول الفرار من السلطات المغربية لكنه وقع أرضا حيث تعرض لإصابات خطيرة أودت بحياته.
الأربعاء 5 أكتوبر :أ
على الساعة التاسعة و النصف ليلا ( توقيت غرينيتش ) وجود جثة مهاجر ملفوفة في غطاء بمخيم السلطات المغربية بـ"راشترو غوردو"، و الآخر ملقى بنفس الموقع مختنق لا يكاد يتنفس.
الخميس 6 أكتوبر :أ
على الساعة الخامسة أو السادسة ( توقيت غرينيتش ) مقتل ستة مهاجرين بالرصاص الحي قرب سياج "باريو تشينو" من طرف السلطات المغربية، حيث شاركت في الهجوم حتى السلطات الأسبانية التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع، إضافة إلى تخريب ممتلكات الغير من سيارات و جدران المنازل التي اخترقها الرصاص الحي المغربي.
شهر أكتوبر أو سبتمبر:أ
ألقى رجال من قوات أمنية إسبانية بأربعة مهاجرين إفريقيين في البحر من على قارب، حيث توفي شخص من مالي و آخران من نيجيريا، بينما نجى أحدهم و هو من جنسية نيجيرية، و قد حكى لرفاقه في الغابة تفاصيل هذا الحادث.
شهر نونبر أو أكتوبر:أ
تم نقل جثة لمهاجر أفريقي من مستشفى الحسني بالناظور نحو مقبرة تاويمة في سيارة إسعاف.
دور مستشفى الحسني بالناظور خلال الأحداث:أ
قبل تطور الأحداث بالإقليم ، لم يكن هناك أي مشكل في انتقال الصحفيين للمستشفى الحسني بالناظور لتفقد أحوال المهاجرين الأفارقة خصوصا بالنسبة للأجانب و على رأسهم منظمة أطباء بلا حدود، التي كانت تقدم الدعم للمستشفى خاصة من خلال توفير وسائل علاجية للجرحى. أ
لكن و بعد مقتل الكمروني " أكابانغ جوزيف أبوناو " يوم الاثنين 29 غشت، تغيرت الأوضاع بشكل جذري، و ذلك بسبب تقرير ميداني تم نشره بمجموعة من المنابر الإعلامية الوطنية يتحدث عن وجود جثتين بمستودع الأموات إلى جانب تحقيق ميداني قامت به الوكالة الفرنسية للأنباء، حيث أصدرت عمالة إقليم الناظور مباشرة بعد ذلك أوامر لمستشفى الحسني بعدم السماح بالدخول للمستشفى على الصحفيين خاصة الأجانب منهم و كذا كافة الهيئات الحقوقية، و لم تسلم من المنع حتى منظمة أطباء بلا حدود، و طلب من المستشفى رفض حتى المساعدات التي تقدمها لهم هذه المنظمة الطبية.أ
و لم يتم تسجيل وفيات المهاجرين الأفارقة بسجل المستشفى، ما عدا جثة الكمروني "أكابانغ جوزيف أبوناو".أ
المهاجرون و الإجرام:أ
شهد إقليم الناظور بعد تكثيف الحملات التمشيطة خلال الأشهر الأخيرة ، مجموعة كبيرة الإشاعات راجت على نطاق واسع، مفادها حدوث عدة جرائم بمناطق مختلفة من الإقليم، يقوم بها هؤلاء المهاجرون الأفارقة في حق الساكنة، و بخاصة المتواجدين منهم في الهوامش القريبة من الغابات التي يختبؤن فيها. أ
و من ذلك، إشاعة راجت و بقوة، تتحدث عن اغتصاب امرأة خرساء على أيدي أحد هؤلاء المهاجرين، لكن من دون أن يتم إلقاء القبض عليه، إضافة إلى ذلك تم الحديث عن جريمة قتل بشعة ارتكبها أحدهم أيضا في حق أحد أبناء المنطقة، فتحت بطنه بسكين، حيث كان حينها صحبة رفيق له أفلت من تلك الجريمة، و ذهب لإبلاغ مركز الشرطة بما حصل، و حوادث أخرى كثيرة تتحدث عن مداهمتهم المنازل و سرقة الدواجن و ما شابه ذلك.أ
و الحقيقة أن هذه الروايات كلها من المفتريات، المراد من أغلبها خلق رأي عام وطني يعطي الشرعية لمختلف تدخلات الدولة في هذا الباب، و هو ما سيتم عبر زرع روح الحقد و الكره في نفوس المواطنين عامة و ساكنة الإقليم خاصة تجاه هؤلاء المهاجرين، على اعتبار أنهم يهددون سلامتهم و استقرارهم.أ
و قد لاحظنا، من خلال استطلاعنا لرأي الساكنة المجاورة للغابات حيث يقيم هؤلاء المهاجرون، و ذلك قبل الحملات الأخيرة، حول رأيهم في تصرفات هؤلاء المهاجرين معهم، فأجابونا بالإجماع على أنهم طيبون جدا، و بأنهم لم يعتدوا عليهم قط، و لكن و مباشرة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، تغيرت هذه التصريحات بدرجة كبيرة، حيث لاحظنا أن مجموعة من الذين سلف و أن سألناهم غيروا إجابتهم حيث صرحوا لنا بأن هؤلاء المهاجرون يعتدون على المواطنين و يسرقون و يغتصبون النساء، و أن ذلك يصلهم عن طريق السماع و لم يشاهدوه، و هي نفس الملاحظة التي سجلتها جمعية حقوق الطفل بمليلية.أ
موقف الهيئات المدنية و السياسية المحلية من الملف:أ
ما تم تسجيله خلال الأشهر الأخيرة، و التي عرفت تطورا كبيرا لهذا الملف على مستوى إقليم الناظور، هو الغياب التام لأي تدخل مهما كان نوعه من طرف الهيئات السياسية و النقابية و الجمعوية، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الإقليمي أو الجهوي أو المحلي، بالإقليم، حيث يمكننا القول أن موضوع المهاجرين السريين من بلدان جنوب الصحراء لم يكن أبدا مبرمجا في أجندة عمل أي منها، اللهم شبكة جمعيات شمال المغرب للتنمية و التضامن، التي بعثت بمناضلين اثنين رفقة جمعية الأندلس لحقوق الإنسان، هذه الأخيرة قدمت للمهاجرين إعانة مادية من خلالنا، إلى جانب تسجيلهم لبعض الخروقات التي تمارسها السلطات في حقهم، و إن لم يتمكنوا من لقاءهم لظروف موضوعية حالت دون ذلك.أ
التغطية الإعلامية المغربية للأحداث بالمنطقة:أ
تغيبت المنابر الإعلامية المغربية عن التغطية الميدانية للأحداث التي عرفتها المنطقة، ما عدا الأحداث المغربية و لوجورنال إبدومادير ، هذه الأخيرة بعد انتهائها من تغطية أحداث سبتة قامت بالانتقال مباشرة إلى الناظور ثم إلى مليلية لتغطية ما يجري هناك، أما عن القناتين الأولى و الثانية فقد كانتا مرافقتان للسلطات المغربية، و لا تقومان بتصوير غير ما تحدده لهما هذه الأخيرة، و ما نقلتهما من تصريحات عن بعض المهاجرين السريين في جله لا يعبر عن حقيقة ما يتبناه رفاقهم.
هذا في الوقت الذي جاءت فيه جل المنابر الدولية، من مختلف أطراف العالم، لتغطية الأحداث و تقديم مساعدات مختلفة للمهاجرين في أعماق غابات الناظور، رغم المشاق و المخاطر التي يمكن أن تعرفها هذه المحاولات، خصوصا و أن جلها لم يكن يتوفر على رخصة من المركز السينمائي أو وزير الداخلية التي فرضت حتى على الصحفيين الأجانب القاطنين و العاملين بالرباط، بحجة أن الموضوع مرتبط بالحدود و بموضوع أصبح " يستغل سياسيا ضد الوطن من طرف الأعداء" كما دأب يصرح بذلك رجال السلطة بالمنطقة , خاصة باشا المدينة.أ
تبعات التدبير المغربي لملف الهجرة:أ
جلب تدبير السلطات المغربية لهذا الملف تبعات غير منتظرة، حيث انتقل الموضوع من مجرد الحديث عن مهاجرين سريين يحاولون أو يجتازون السياج الحدودي الفاصل بين مدينتي مليلية و الناظور، إلى الحديث عن حقيقة السيادة المغربية على تراب مدينة مليلية، بشكل أحرج و مازال يحرج السلطات المغربية ليس أمام الرأي العام الوطني فقط و لكن أمام الرأي العام الأسباني كذلك، خاصة و أن كافة الإجراءات التي تبنتها السلطات المغربية بقرب الحدود أعطت انطباعا و منذ الوهلة الأولى على أن الأمر يتعلق بحماية لمدينة مليلية على اعتبارها بقعة أسبانية.أ
فمع ما عرفته منطقة الناظور-مليلية من أحداث ، حاولت السلطات الإسبانية، ، بناء سياج ثالث بتراب جماعة بني أنصار، و ذلك تطبيقا للبرنامج الحكومي الذي يروم حماية المدينة من المحاولات المتكررة من طرف هؤلاء المهاجرين لاجتياز السياجان اللذان يحيطان بالمدينة، لكن تم منعهم من طرف السلطات الإقليمية المغربية من القيام بذلك بعد خروج مجموعة من العمال و التقنيين لأخذ القياسات من منطقة مولاريس التابعة لجماعة بني أنصار.أ
هذا الأمر دفع بحاكم مدينة مليلية السيد خوان خوسي إمبرودا لأن يعرض يوم الأربعاء 30 نونبر 2005، على أنظار وزير الخارجية السيد ميغيل أنخيل موراتينوس المشاكل التي أعترضت العمال و منعتهم من مباشرة عملهم في بناء السياج الثالث " في منطقة لا يشوب شك على أنها محتلة من طرف القوات المغربية " كما صرح السيد خوان خوسي إمبرودا، كما جاء في مختلف الجرائد المحلية بمليلية يوم الجمعة الماضي. و طالب الحكومة المركزية بعدم دعم المغرب لأنه لا يساعد أسبانيا لأجل حماية المدينة، و لأنه يرغب في ضم مليلية. أ
و في كل هذا ما يزال الموقف المغربي غير معبر عنه، حتى أن الصحافة الوطنية لم تتعرض للموضوع في حينه، و لا حتى الأحزاب و هيئات المجتمع المدني لم تعبر عن موقفها من هذه الخطوة.أ
و قد سبق ذلك أن قامت السلطات المغربية بمحاولة لحفر خندق محيط بالسياج السلكي لحماية المدينة من محاولات المهاجرين تسلقه، بلغ عمقه ثلاثة أمتار و عرضه مترا و نصف، و ذلك بعد أن تم قطع عدد كبير من أشجار الغابة حيث يتواجد السياج، لكن و بعد تعالي أصوات هيئات مغربية و أجنبية متسائلة حول حقيقة مغربية مدينة مليلية، تم توقيف الأشغال التي كان جزء منها قد تم إنجازه.أ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق